الأم مدرسة وليس التلفاز

لطالما ردّدنا عندما كنا تلامذة في المرحلة الابتدائية قول شاعر النيل حافظ ابراهيم عن الأم الأم مدرسة إذا أعددتهاأعددت شعباً طيب الأعراق
وظلت قناعتنا راسخة أن الأم هي المسؤول الذي يحمل الرقم 1 عن تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صالحة .
فالطفل عادة يقضي سنوات حياته الاولى برعاية الأم ,
ويكون عقله في تلك المرحلة الزمنية صحيفة بيضاء يجب أن تملأها بكل ما هو مفيد ونافع لهذا الطفل ,
بحيث يبدأ المخزون المعرفي لديه بالتشكل ويكون هذا المخزون هو القاعدة الصلبة المتينة
التي ينهض عليه بناؤه الفكري مستقبلا .
وشيئاً فشيئاً بدأ التلفاز يزاحم الأم في تربية الطفل ,
لأن أطفالنا يجلسون الساعات الطويلة أمام شاشة التلفاز التي تقدم ما هو مفيد أحياناً
وما هو غير نافع بل ضار أحياناً أخرى .
والمسألة التي تدعو للقلق هي غياب البرامج المفيدة المخصصة للأطفال ,
رغم ظهور قنوات فضائية مخصصة للأطفال .
في هذه القنوات مثلاً نلاحظ أن البرامج لا تأخذ بعين الاعتبار العمر الحقيقي للطفل , ولا تتوجه الى عقله ,
بل تعتمد في ايصال الرسالة على الصورة المتحركة والايقاع السريع والموسيقى الصاخبة .
وليت المشكلة تقف عند هذا الحد , لأن الطفل يجلس أحياناً مع أشقاء أكبر منه سناً ,
وهؤلاء يتابعون المسلسلات الدرامية التي تقدمها الفضائيات العربية ,
وقد خرجت هذه المسلسلات الى السطح دفعة واحدة في اندفاع ثوراني مثير للدهشة .
ولكي لا يستشف القارئ من حديثنا نبرة هجوم على تلك المسلسلات
نوضح رأينا فنقول إننا لسنا ضدها لأنها تقدم لوحات اجتماعية وتعالج مشكلات حياتية
نحن بحاجة ماسة لنشر إليها بدلاً من المرور بها مرور الكرام .
لكن أريد الهمس في أذن القارئ قائلاً :
ماذا تقول لتلك الأم التي تمثل طفلها الذي لم يكمل الثالثة من عمره شخصية ( أبو ليلى ) مثلاً في مسلسل
( أبو جانتي ) ؟! تمّثل هذا الطفل الشخصية وأخذ يقلد صاحبها تقليداً أعمى في حركاته وسكناته
وربما أصبحت هذه الشخصية مثله الأعلى في هذه المرحلة المبكرة من العمر .
ألم يكن مثلاُ من الخير أن يحفظ أنشودة ( يا عامل النظافة ) التي بثت قبل أكثر من عشرين عاماً
عبر البرنامج الرائع ( افتح يا سمسم ) بدلاً من أن يحفظ أغنية ( أبو جانتي ) التي يستخدم فيها كلمات انجليزية مخلوطة بكلمات عربية في مزيج غريب لا ندري ما هدف الذين خلطوه بهذه الطريقة ؟
وعندما يشاهد الطفل مسلسلاً يتحدث عن مجموعة من ( الصبايا ) يعشن في ترف مادي ومعنوي ,
ولكل واحدة منهن طريقتها الحالمة في التعامل مع الواقع ألّا يحشو رأسه الصغير بأفكار
كان في غنى عن اشغال عقله بها ؟! ....
ولن نتحدث عن الأضرار الصحية للجلوس الطويل أمام شاشة التلفاز
فهذا موضوع يتم التطرق إليه من قبل الأطباء والمختصين .
نعود ونذكر الأم بأنها هي المدرسة التي أشار إليها الشاعر ,
ولا يجوز أن يقوم التلفاز مقامها ولا أن يحل مكانها لأننا نحن المسؤولون أمام الله والمجتمع
عن تربية أطفالنا تربية صالحة بحيث يكونون عدّة الوطن وأمله
في بناء المستقبل القادم الذي نتمنى أن يكون مشرقاً